آداب تتعلق بطالب الخواص(الذي يريد الانتفاع بخواص القرآن الكريم)
المبحث الأول: آداب تتعلق بطالب الخواص
المراد بطالب الخواص في هذا المبحث هو الفاعل (الراقي)، سواء كان الفاعل هو المريض أو من شخص غيره.
وخواص القرآن الكريم قائمة على اعتبار ما يترتب من قراءة، أو كتابة سورة، أو آيات معينة من القرآن الكريم في حدث خاص، ينتج عن تلك القراءة أو الكتابة فرج، أو شفاء، أو حل عسير ونحو ذلك.
وقد تقدم بيان ذلك في تعريف خواص القرآن الكريم[1].
ويدخل في هذا الرقية بالقرآن الكريم، وطلب الاستشفاء به، وإن كانت خواص القرآن الكريم أوسع من باب الرقى والاستشفاء بالقرآن الكريم – كما تقدم بيانه -[2] فليست الخواص القرآنية خاصة بالأمراض دون غيرها، فهي تشمل هذا الباب كما تشمل ما يريده الإنسان من حصول مطلوب، أو دفع مكروه ونحو ذلك.
وعليه فتحسن الإشارة في مقدمة هذا المبحث إلى تعريف الرقية الشرعية، وبيان ضوابطها، كما ذكر ذلك أهل العلم.
تعريف الرقية
الرقية في اللغة:
قيل: هو العُوذة.
قال الأزهري: [3]رقى الراقي رَقْيةً ورَقْياً, إذا عَوَّذ ونفث في عُوذتِه[4].
وقال ابن الأثير[5]: الرّقية بالضم: العُوذة التي يُرقى بها صاحب الآفة، كالحمى والصرع، وغير ذلك من الآفات[6].
فالرقية هنا فسرت بالعُوذة، والعوذة بالرقية.
وقيل: إن الرقية هي العزيمة.
قال الجوهري: العزائم هي الرقى[7].
وقال ابن فارس[8]: عزمت على الجني: وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القرآن، وهي الآيات التي يرجى بها قطع الآفة عن المؤوف[9]. أي: المريض.
وقال ابن منظور: العزائم هي الرقى، وعزم الراقي كأنه أقسم على الداء[10].
وقال الفيروزأبادي: العزائم: أي الرقى. وهي آيات من القرآن تقرأ على ذوي الآفات رجاء البرء[11].
وفي كتاب التوحيد: والرقى هي التي تسمى العزائم[12].
يقول الشيخ محمد العثيمين – يرحمه الله -: =وعزم عليه أي قرأ عليه، وهذه عزيمة أي قراءة[13].
فيتضح – مما تقدم – أن الرقية والعزيمة لفظتان مترادفتان في المعنى حيث تستعملان لمعنى واحد، وهو تعويذ صاحب الآفة لكي يشفى، ويحصل له البرء
– بإذن الله تعالى -.
قال ابن الشاطّ[14]: وينبغي أن يكون حكم العزيمة حكم الرقية المشروعة إذا تحقق أن لا محذور في ألفاظ العزيمة[15].
فهو يرى أن العزيمة مرادفة للرقية منهما ما هو مشروع وممنوع.
فالمشروع يعمل به، والمردود ممنوع.
وبعض أهل العلم يفرق بين الرقية والعزيمة، كالقرافي[16]، حيث يقول في ذلك:
الرقية ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة[17].
والعزيمة هي كلمات تعظمها ملائكة متصرفة في قبائل الجن، ويزعم أهل العزائم أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمرت بتعظيمها ومتى أقسم عليها بها أطاعت وأجابت، وفعلت ما طلب منها[18].
الرقية شرعاً:
الرقية في الشرع قريبة من المعنى في اللغة، فهي بمعنى التعويذ؛ والغاية منها طلب الشفاء، ورفع الداء.
وعليه فالرقية الشرعية: هي ما كان من الآيات القرآنية، والأدعية المشروعة، لقوله عليه الصلاة والسلام "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"[19].
قوله: (إن الرقى) الرقى: جمع رقية، وهذه ليست على عمومها بل هي عام أُريد به خاص، وهو الرقى بغير ما ورد به الشرع، أمّا ما ورد به الشرع، فليست من الشرك، قال صلى الله عليه وسلم في الفاتحة: "وما يُدريك أنها رقية"[20].
وهل المراد بالرقى ما لم يرد به الشرع لو كانت مباحة، أو المراد ما كان فيه شرك؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يناقض بعضه بعضاً، فالرقى المشروعة التي ورد بها الشرع جائزة.
وكذا الرقى المباحة: التي يُرقى بها الإنسان المريض كدعاءٍ مِنْ عنده ليس فيه شرك، جائزة[21].
ونتيجة – ما تقدم ذكره – أن الرقية: هي العوذة، بمعنى الالتجاء، فتكون الرقية على هذا المعنى (اللغوي) تشمل ما كان مشروعاً، أو ممنوعاً؛ فالكل يطلق عليه رقية.
فهناك رقية شرعية (جائزة)، وأخرى شركية (ممنوعة).
أما في الشرع: فيراد بالرقية المعنى المشروع وهو أن تكون الرقية أو العوذة بما كان من القرآن الكريم، والأدعية النبوية. أو بمعنى آخر: الرقى الشرعية هي التي لها أصل في الكتاب والسنة. والله تعالى أعلم.
ضوابط الرقية الشرعية
ذكر أهل العلم الإجماع على جواز الرقى، عند اجتماع ثلاثة شروط، وهي على النحو الآتي:
1 – أن تكون بكلام الله وبأسمائه وصفاته، أو بما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2 – أن تكون باللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره.
3 – أن لا يعتقد أن الرقية تؤثر بذاتها بل التأثير من الله تعالى.
قال ابن حجر[22] – يرحمه الله - : قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع هذه الشروط[23].
وقال السيوطي – أيضاً -: قد أجمع العلماء على جواز الرقى، عند اجتماع ثلاثة شروط[24], وذكر تلك الشروط الثلاثة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله -: فكل اسم مجهول ليس لأحد أن يرقى به، فضلاً عن أن يدعو به، ولو عرف معناها، وأنه صحيح؛ لكره أن يدعو الله بغير الأسماء العربية[25].
ويقول أيضاً: ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها؛ لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك[26].
وقال الشيخ حافظ الحكمي[27] – يرحمه الله -:
ثم الرقى من حُمَّةٍ أو عين فإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته وذاك لا اختلاف في سنيته
(فإن تكن) أي: الرقى (من خالص الوحيين) الكتاب والسنة، والمعنى من الوحي الخالص، بأن لا يدخل فيه من شعوذة المشعوذين، ولا يكون بغير اللغة العربية، بل يتلو الآيات على وجهها، والأحاديث كما رويت وعلى ما تلقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا همز ولا رمز، (فذاك) أي: الرقى من الكتاب والسنة هو من (هدي النبي) صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه والتابعون بإحسان (و) من (شرعته) التي جاء بها مؤدّياً عن الله عز وجل[28].
ويقول أيضاً:
أما الرقى المجهولة المعاني فذاك وسواس من الشيطان
وفيه قد جاء الحديث أنه شرك بلا مرية فاحذرنّه
إذ كل من يقوله لا يدري لعله يكون محض الكفر
أي: أما الرقى التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني، ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع ألبتة، فليست من الله في شيء، ولا من الكتاب والسنة في ظلٍّ ولا فيءٍ، بل هي وسواس من الشيطان أوحاها إلى أوليائه، كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [29]، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"[30], وذلك لأن المتكلم به لا يدري أهو من أسماء الله تعالى أو من أسماء الملائكة أو من أسماء الشياطين، ولا يدري هل فيه كفر أو إيمان، وهل هو حق أو باطل، أو فيه نفع أو ضر أو رقية أو سحر. ولعمر الله لقد انهمك غالب الناس في هذه البلوى غاية الانهماك، واستعملوه على أضرب كثيرة وأنواع مختلفة...[31].
وحول الشرط الثالث فالرقية لا تؤثر بذاتها بل التأثير بإذن الله تعالى؛ وذلك لأن الرقية سبب من الأسباب.
واعتقاد أن الرقية تؤثر بذاتها، اعتقاد فاسد، وهو من عقائد الجاهلية.
يقول الشيخ محمد العثيمين – يرحمه الله -: "أن لا يعتقد أنها تنفع بذاتها دون الله، فإن اعتقد بذاتها من دون الله فهو محرم؛ لأنه شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله"[32].
ومما يضاف إلى الشروط السابقة:
أن لا تكون الرقية بهيئة محرمة كأن يتقصد الرقية في حالة كونه جنباً أو في مقبرة أو حمام[33].
الآداب التي تتعلق بطالب الخواص:
والمراد بطالب الخواص – كما تقدم – هو الذي يريد الانتفاع بخواص القرآن الكريم.
فمن جملة الضوابط والآداب الشرعية التي تتعلق بطالب الخواص الآتي:
أولاً: تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى.
إذ لا بد من تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
أ – توحيد الربوبية:
وهو إفراد الله – عز وجل – بالخلق والملك والتدبير، فالله سبحانه وتعالى هو الخالق والمالك والمدبر لأمور الخلق، قال الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[34] فجميع ما في الكون خاضع لله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[35].
فإذا حقق العبد هذا التوحيد عرف بأنه كل شيء بأمر الله، فلا يقع أمر، ولا يحل خير، أو يرتفع شر إلا بأمره – سبحانه وتعالى – وهذا يجعل العبد متعلقاً بالله سبحانه دون غيره، ويدعوه في كل نائبة وحاجة.
ب – توحيد الألوهية:
وهو إفراد الله – عز وجل – بالعبادة من صلاة وصيام وحج وزكاة ونحو ذلك، فهو يتعلق بأعمال العبد وأقواله الظاهرة والباطنة.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[36].
وقال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[37].
وهو التوحيد الذي دعت إليه جميع الرسل، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[38].
فلا يعبد غيره – سبحانه وتعالى – ولا يدعى سواه، ولا يستعان ولا يُستغاث إلا به، فالواجب على العبد أن يجعل أعماله إلى الله وحده لا شريك له دون غيره، حتى يسلم من الوقوع في الشرك.
ج – توحيد الأسماء والصفات:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: =ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه – سبحانه وتعالى – وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[39].
فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرِّفون الكَلِم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيِّفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفء له ولا ندَّ له، ولا يُقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم بنفسه وبغيره؛ وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه، ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون؛ ولهذا قال: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[40] [41]
فهو وصف الله تعالى وتسميته بما وصف به نفسه، وبما وصفه وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل، قال الله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[42].وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[43].
وإذا علم العبد أن الله رحمان رحيم، طمع في رحمته ودعاه، فهو سبحانه الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وهو القريب لمن دعاه سبحانه وتعالى.
ولتحقيق التوحيد الخالص لله – عز وجل – بأنواعه الثلاثة الأثر الكبير الواضح في تحصيل المنافع وتحقيقها، ودفع المضار والشرور وإبعادها، بإذن الله تعالى[44].
ثانياً: الاعتصام بالكتاب والسنة:
قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[45].
يقول السعدي – يرحمه الله – عند هذه الآية ما نصه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} أي: هذه الأحكام وما أشبهها، مما بينه الله في كتابه، ووضحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر. {فَاتَّبِعُوهُ} لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح. {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق. {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} أي: تضلكم عنه وتفرقكم، يميناً وشمالاً. فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم، علماً وعملاً، صرتم من المتقين، وعباد الله المفلحين، ووحد الصراط، وأضافه إليه؛ لأنه سبيل واحد موصل إليه. والله هو المعين للسالكين على سلوكه[46].
وفي السنة المطهرة من الأحاديث الصحيحة، والأدعية المأثورة، ما يُغني عن غيرها من الأمور التي لا أصل لها، من الدعوات أو العبارات التي لا تخلو من خلل، إما من جهة العقيدة، أو من جهة الصحة والثبوت.
وفي القرآن الكريم، والسنة النبوية معاً من الخير الكثير، والنفع العظيم ما يحصل به الاستغناء التام عما سواهما في سائر الأمور الدنيوية والأخروية.
وإذا اعتصم العبد بالكتاب والسنة وُفِّق لكل خير، وعُصِم من كل شر؛ فأصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: تقوى الله – عز وجل – والإنابة إليه:
فمن كان يريد الانتفاع بالقرآن الكريم، يجب أن يكون تقيّاً يخاف الله – عز وجل – فيخوِّف الله منه عدوه، ويخشى الله فيجعل الله في وجهه مهابة، وبقدر ما يكون العبد المسلم تقياً لله بقدر ما يخضع له عدوه، والشيطان ضعيف بكفره ومعاصيه، والعبد قوي بإيمانه وتقواه.
فإن العبد إذا أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، وأصلح الله له دينه ودنياه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[47].
يقول الحافظ ابن كثير – يرحمه الله – عند هذه الآية الكريمة: فإن من اتقى الله بفعل أوامره، وترك زواجره، وُفِّق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه – وهو محوها – وغفرها: سترها عن الناس – سبباً لنيل ثواب الله الجزيل، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[48] [49]
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[50]. 
يقول الحافظ ابن كثير – أيضاً – عند هاتين الآيتين: أي: ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله[51].